فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

قوله: {واتبعوا مَا تَتْلُواْ الشياطين}: هذه الجملة معطوفة على مجموع الجملة السابقة من قوله: {ولما جاءهم} إلى آخرها.
وقال أبو البقاء: إنها معطوفة على {أشربوا} أو على {نبذ فريق}، وهذا ليس بظاهر؛ لأن عطفها على {نبذ} يقتضي كونها جوابًا لقوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ}.
واتِّباعُهُم لما تتلو الشياطين ليس مترتبًا على مجيء الرسول عليه الصَّلاة والسَّلام بل كان اتباعهم لذلك قبله، فالأولى أن تكون معطوفة على جملة {لما} كما تقدم، و{ما} موصولة، وعائدها محذوف، والتقدير: تتلوه.
وقيل: {ما} نافية، وهو غلط فاحش لا يقتضيه نظم الكلام، ذكره ابن العربي.
ويتلو في معنى تلت فهو مضارع وقاع موقع الماضي؛ كقوله: الكامل:
وَإِذَا مَرَرْتَ بِقَبْرِهِ فَاعْقِرْ بِهِ ** كُومَ الهِجَانِ وَكُلَّ طَرْفٍ سَابِحِ

واتْضَحْ جَوَانِبَ قَبْرِ بِدِمَائِهَا ** فَلَقَدْ يَكُونُ أَخَا دَمٍ وَذَبَائِحِ

أي: فلقد كان.
وقال الكوفيون: الأصل: وما كانت تتلو الشياطين، ولا يريدون بذلك أن صلة {ما} محذوفة، وهي كانت و{تتلو} في موضع الخبر، وإنما قصدوا تفسير المعنى، وهو نظير: كان زيد يقوم المعنى على الإخبار، وبقيامه في الزمن الماضي، وقرأ الحسن والضحاك {الشياطون} إجراء له مجرى جمع السَّلامة، قالوا: وهو غلط.
وقال بعضهم: لحن فاحش.
وحكى الأصمعي بُسْتَانُ فُلاَنٍ حَوْلَهُ بساتون وهو يقوي قراءة الحسن.
قوله تعالى: {على مُلْكِ سُلَيْمَانَ} فيه قولان:
أحدهما: أنه على معنى في، أي: في زمن ملكه، والمُلْكُ هنا شَرْعه.
والثاني: أن يضمن تتلوا معنى تَتقوَّل أي: تقول على ملك سليمانن وتَقَوَّل يتعدى بعلى، قال تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقاويل} [الحاقة: 44].
وهذا الثاني أولى، فإن التجوّز في الأفعال أولى من التجوّز في الحروف، وهو مذهب البصْريين كما تقدم وإنما أحْوَجَ إلى هذين التأويلين؛ لأن تلا إذا تعدَّى بعلى كان المجرور بعلى شيئًا يصحّ أن يتلى عليه نحو: تلوت على زيد القرآن، والملك ليس كذلك.
قال أبو مسلم: {تتلو} أي: تكذب على ملك سليمان يقال: تلا عليه: إذا كذب وتلا عنه إذا صدق.
وإذا أبهم جاز الأمران.
قال ابن الخطيب: أي يكون الذي كانوا يخبرون به عن سليمان مما يتلى ويقرأ فيجتمع فيه كل الأوصاف، والتلاوة: الاتباع أو القراءة وهو قريب منه.
قال أبو العباس المقرئ: و{على} ترد على ثلاثة أوجه:
الأول: بمعنى في كهذه الآية.
وبمعنى اللام، قال تعالى: {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الكتاب تَمَامًا عَلَى الذي أَحْسَنَ} [الأنعام: 154] أي: للذي.
وبمعنى من، قال تعالى: {الذين إِذَا اكتالوا عَلَى الناس يَسْتَوْفُونَ} [المطفيين: 2] أي: من الناس يستوفون.
و{سليمان} علم أعجمي، فلذلك لم ينصرف.
وقال أبو البقاء رحمه الله تعالى: «وفيه ثلاثة أسباب: العُجْمة والتَّعريف والألف والنون»، وهذا إنما يثبت بعد دخول الاشتقاق فيه، والتصريف حتى تعرف زيادتها، وقد تقدَّم أنهما لا يَدْخُلان في الأسماء الأعجميّة، وكرر قوله: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ} بذكره ظاهرًا؛ تفخيمًا له، وتعظيمًا؛ كقوله: الخفيف:
- لا أَرَى المَوْتَ يَسْبِقُ المَوْتَ شَيْءٌ

وقد تقدم تحقيق ذلك.
قوله تعالى: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ}.
هذه الواو عاطفة جملة الاستدراك على ماقبلها.
وقرأ ابن عامر، والكسائي وحمزة بتخفيف {لكن} ورفع ما بعدها، والباقون بالتشديد، والنصب وهو واضح.
وأما القراءة الأولى، فتكون {لكن} مخففة من الثقيلة جيء بها لمجرّد الاستدراك، وإذا خففت لم تعمل عند الجمهور ونٌقِل جواز ذلك عن يونس والأخفش.
وهل تكون عاطفة؟ الجمهور على أنها تكون عاطفة إذا لم يكن معها الواو، وكان ما بعدها مفردًا وذه يونس إلاَّ أنها لا تكون عاطفةً وهو قوي، فإنه لم يسمع في لسانهم: ما قام زيد لكن عمرو، وإن وجد ذلك في كتب النحاة فمن تمثيلاتهم، ولذلك لم يمثل بها سيبويه رحمه الله إلا مع الواو وهذا يدل على نفيه.
وأما إذا وقعت بعدها الجمل فتارة تقترن بالواو، وتارة لا تقترن.
قال زهير: البسيط:
إنَّ ابْنَ وَرْقَاءَ لاَ تُخْشَى بَوَادِرُهُ ** لَكِنْ وَقَائِعُهُ في الحَرْبِ تُنتَظَرُ

وقال الكسائي والفراء: الاختبار تشديدها إذا كان قبلها واو وتخفيفها إذا لم يكن، وهذا جنوح منهما إلى القول بكونها حرف عَطْف، وأبعد من زعم أنها مركّبة من ثلاثة كلمات: لا النافية، وكاف الخطابن وإن التي للإثبات، وإنما حذفت الهمزة تخفيفًا.
قوله: {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} {الناس} مفعول أول، و{السِّحْر} مفعول ثان، واختلفوا في هذه الجملة على خمسة أقوال:
أحدها: أنها حال من فاعل {كفروا} أي مُعَلِّمين.
الثاني: أنها حال من الشياطين، وردّه أبو البقاء رحمه الله تعالى بأن {لكن} لا تعمل في الحال، وليس بشيء فإن {لكن} فيها رائحة الفعل.
الثالث: أنها في محلّ رفع على أنها خبر ثان للشياطين.
الرابع: أنها بَدَلٌ من {كفروا} أبدل الفعل من الفعل.
الخامس: أنها استئنافية، أَخْبر عنهم بذلك، وهذا إذا أعدنا الضمير من {يعملون} على الشَّيَاطين.
أما إذا أعدناه على {الذين اتَّبَعُوا ما تتلو الشَّياطين} فتكون حالاص من فاعل {اتبعوا}.
أو استئنافية فقط.
والسِّحْر: كلّ ما لَطف ودَقَّ سِحْرُهُ، إذا أَبْدَى له أمرأ يدقُّ عليه ويخفى.
قال: الطويل:
....... ** أَدَاءُ عَرَانِي مِنْ حُبَابِكِ أمْ سِحْرُ

ويقال: سَحَرَهُ: أي خَدَعَهُ وعلَّله؛ قال امرؤ القيس: الوافر:
أَرَانَا مُوضِعِينَ لأَمْرٍ غَيْبٍ ** ونُسْحَرُ بِالطَّعَامِ وبِالشَّرَابِ

أي: نُعَلَّلُ، وهو في الأصل: مصدر يقال: سَحَرَهُ سِحْرًا، ولم يجئ مصدر لفَعَلَ يَفْعَلُ على فِعْلٍ إلا سِحْرًا وَفِعْلًا.
والسَّحر بالنصب هو الغذاء لخائه ولطف مَجَاريه، والسّحر هو الرئة وما تعلق بالحُلْقُوم ومنه قول عائشة رضي الله عنها توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحري وهذا أيضًا يرجع إلى معنى الخفاء.
ومنه قوله تعالى: {إِنَّمَا أَنتَ مِنَ المسحرين} [الشعراء: 153] {مَا أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا} [الشعراء: 154]، ويحتمل أنه ذو سحر مثلنا.
وقال تعالى: {فَلَمَّا أَلْقُوْاْ سحروا أَعْيُنَ الناس واسترهبوهم} [الأعراف: 116].
وقال تعالى: {وَلاَ يُفْلِحُ الساحر حَيْثُ أتى} [طه: 69]، والسّحر في عرف الشرع مختصّ بكل أمر يخفى سببه، ويتخيل على غير حقيقته، ويجري مجرى التَّمويه والخداع، وهو عند الإطلاق يذم فاعله، ويستعمل مقيدًا فيما يمدح وينفع، فقال رسول الله صلى الله عليه «إنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْرًا».
فسمى النبي صلى الله عليه وسلم بعض البيان سحرًا؛ لأن صاحبه يوضح الشيء المشكل، ويكشف عن حقيقته بحسن بيانه، ويبلغ عبارته، فعلى هذا يكون قوله عليه الصلاة والسلام: «إنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْرًا» خرج مخرج المدح.
وقال جماعة من أهل العلم: خرج مخرج الذم للبلاغة والفصاحة، إذ شبهها بالسّحر يدلّ عليه قوله عليه الصلاة والسلام: «فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجّتِهِ مِنْ بَعْضٍ».
وقوله عليه الصلاة والسلام: «إنَّ أَبْغَضَكُمْ إلَيَّ الثَّرْثَارُونَ المُتَفَيْهِقُونَ».
الثرثرة: كثرة الكلام وتردده، يقال: ثرثر الرجل فهو ثَرْثار مِهْذَار والمتفيهق نحوه.
قال ابن دريد: فلان يتفيهق في كلامه إذا توسّع وتنطَع، قال: وأصله الفَهْقُ، وهو الامتلاء كأنه ملأ به فمه.
قال القرطبي رحمه الله تعالى: وبهذا المعنى الذي ذكرناه فسره عامر الشعبي راوي الحديث وصعصعة بن صوحان، فقالا: أما قوله صلى لله عليه وسلم: «إنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْرًا»، فالرجل عليه الحق وهو ألحن بالحُجَج من صاحب الحقّ فيسحر القوم ببيانهن فيذهب بالحق، وهو عليه، وإنما يحمد العلماء البلاغة واللسان ما لم تخرج إلى جدّ الإسهاب والإطناب، وتصوير الباطل في صورة الحق.
قوله: {وَمَا أُنْزِلَ} فيه أربعة أقوال:
أظهرها: أن {ما} موصولة بمعنى الذي محلّها النصب عطفًا على {السحر}، والتقدير: يعلّمون الناس السحر، واتلنزل على الملكين.
الثاني: أنها موصولة أيضًا، ومحلها النصب لكن عطفًا على {مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ}، والتقدير: واتبعوا ما تتلو الشياطين، وما أنزل على الملكين.
وعلى هذا فما بينهما اعتراض، ولا حاجة إلى القول بأن في الكلام تقديمًا وتأخيرًا.
الثالث: أن {ما} حرف نفي، والجملة معطوفة على الجملة المفنية قَبْلَها، وهي {وما كفر سُلَيْمَان} والمعنى: وما أنزل على الملكين إباحة السحر.
قال القرطبي: و{ما} نافية، والواو للعطف على قوله: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ}، وذلك أن اليهود قالوا: إن الله أنزل جبريل، وميكائيل بالسحر، فنفى الله ذلك.
وفي الكلام تقديم وتأخير والتقدير: وما كفر سليمان، وما أنزل على الملكين، ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السِّحر ببابل هَارُوت وماروت، فهاروت وماروت بدل من الشَّيَاطين في قوله: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفرُوا} قال: وهذا أولى ولا يلتفت إلى سواه، فالسحر استخراج الشياطين للطافة جوهرهم، وأكثر ما يتعاطاه من الإنس النساء، وخاصة في حالة طَمْثهن؛ قال الله تعالى: {وَمِن شَرِّ النفاثات فِي العقد} [الفلق: 4].
فإن قيل: كيف يكون اثنان بدلًا من الجميع والبدل إنما يكون على حد المبدل منه؟
فالجواب من وجوه ثلاثة:
الاول: أن الاثنين قد يطلق عليهما اسم الجمع؛ كما قال تعالى: {فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} [النساء: 11].
الثاني: أنهما لما كانا الرأس في التعليم نصّ عليهما دون اتباعهما كقوله تعالى: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} [المدثر: 30].
الثالث: إما خُصَّا بالذكر من بينهم لتمرّدهما، كتخصيصه تعالى النخل والرمان في قوله: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن؛ 68] فقد ينص على بعض أشخاص العموم إما لشرفه؛ كقوله تعالى: {إِنَّ أَوْلَى الناس بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتبعوه وهذا النبي} [آل عمران: 68] وإما لطيبه كقوله: {فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} وإما لأكثريته؛ كقوله صلى الله عليه سلم: «جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَتُرَابُهَا طَهُورًا» وإما لتمردهم كهذه الآية.
الرابع: أن محلّها الجر عطفًا على {ملك سليمان}، والتقدير: افتراء على ملك سليمان وافتراء على ما أنزل على الملكين، وهو اختيار أبي مسلم.
وقال أبو البقاء: تقديره وعلى عهد الّذي أنزل.
واحتج أبو مسلم: بأن السحر لو كان نازلًا عليهما لكان مُنْزله هو الله تعالى، وذلك غير جائز، كما لا يجوز في الأنبياء أن يبعثوا السِّحر، كذلك في الملائكة بطريق الأولى.
وأيضًا فإن تعليم السحر كفر بقوله تعالى: {ولكن الشياطين كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ الناس السحر}.
وأيضًا فإنما يضاف السحر إلى الكفرة والمردة، فكيف يضاف إلى الله تعالى ما ينهى عنه؟ والمعنى: أن الشياطين نسبوا السحر إلى ملك سليمان مع أن ملك سليمان كان مبرأ عنه، فكذلك نسبوا ما أنزل على الملكين إلى السحر، مع أن المنزل عليهما كانا مبرّأين عن السحر؛ لأن المنزل عليهما هو الشرع والدين، وكانا يعلمان الناس ذلك مع قولهما: {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ} توكيدًا لبعثهم على قبوله والتمسّك به، فكانت طائفة تتمسّك، وأخرى تخالف.
قال ابن الخطيب رحمه الله تعالى: والأول أولى؛ لأن عطف {وَمَا أُنْزِلَ} على ما يليه أولى من عطفه على مابعد عنه إلا لدليل، أما قوله: لو كان منزلًا عليهما لكان مُنَزِّلهُ هو الله تعالى.
قلنا: تعريف صفة الشيء قد يكون لأجل الترغيب في إدخاله في الوجود، وقد يكون لأجل أن يقع الاحتراز عنه؛ قال: الهزج:
عَرَفْتُ الشَّرَّ لا لِلشَّرْرِ ** لَكِنُ لِتَوَقِّيهِ

وقوله: لا يجوز بعثة الأنبياء لتعليم السحر، فكذا الملائكة.
قلنا: الغرض من ذلك التعليم التَّنبيه على إبطاله.
وقوله: تعليم السِّحْر كفر.
قلنا: إنه واقعة حال فيكفي في صدقها سورة واحدة.
وقوله: يضاف السحر للكفرة والمردة.
قلنا: فرق بين العمل والتعليم، فيجوز أن يكون العمل منبهًا عنه، والتعليم لغرض التنبيه على فساده فلا يكون مأمورًا به.
والجمهور على فتح لام {المَلَكين} على أنهما من الملائكة.
وقرأ ابن عباس وأبو الأسود والحسن والضحاك بكسرها على أنهما رجلان من الناس، وسيأتي تقريره.
قوله: {بِبَابِلَ} متعلق ب {أنزل}، والباء بمعنى في أي: في بابل.
ويجوز أن يكون في محلّ نصب على الحال من المَلَكين، أو من الضمير في {أنزل} فيتعلق بمحذوف.
ذكر هذين الوجهين أبو البقاء رحمه الله.
وبابل لا ينصرف للعُجْمة والعلمية، فإنها اسم أرض، وإن شئت للتأنيث والعلمية وسميت بذلك قيل: لِتَبَلْبُلِ السنة الخلائق بها، وذلك أن الله تعالى أمر ريحًا، فحشرتهم بهذه الأرض، فلم يدر أحد ما يقول الآخر، ثم فرقتهم الريح في البلاد فتكلم كل واحد بلغة، والبَلْبَلَة التفرقة.
وقيل: لما أُهْبِط نوح عليه الصلاة والسلام نزل فبنى قرية، وسماها ثمانين، فأصبح ذات يوم وقد تبلبلت ألسنتهم على ثمانين لغة.
وقيل: لتبلبل ألسنة الخلق عند سقوط صرح نمرود.
وهي بابل العراق.
وقال ابن مسعود: بابل أرض الكوفة.
وقيل: جبل نهاوَند.
قوله: {هَارُوتَ وَمَارُوتَ} الجمهور على فتح تائها.
واختلف النحاة في إعرابها، وذلك مبني على القراءتين في {الملكين}، فمن فتح لام {الملكين}، وهم الجمهور كان في هاروت وماروت أربعة أوجه:
أظهرها: أنها بدل من {الملكين}، وجُرَّا بالفتحة لأنهما ينصرفان للعجمة والعلمية.
الثاني: أنهما عطف بيان لهما.
الثالث: أنهما بدل من {الناس} في قوله تعالى: {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} وهو بدل بعض من كل، أو لأن أقل الجمع اثنان.
الرابع: أنهما بدل من {الشياطين} في قوله: {ولكن الشياطين كفروا} في قراءة من نصب، وتتوجيه البدل كما تقدم.
وقيل: هاروت وماروت اسمان لقبيلتين من الجن، فيكون بدل كل من كل، والفتحة على هذين القولين اللنصب.
وأما من قرأ برفع {الشياطين}، فلا يكون {هاروت وماروت} بدلًا منهم، بل يكون منصوبًا في هذا القول على الذم أي: أذم هاروت وماروت من بين الشياطين كلها؛ كقوله: الطويل:
أقَارعُ عَوْشفٍ لا أُحَاوِلُ غَيْرَهَا ** وُجُوهَ قُرُودٍ تَبْتَغِي مَنْ تُجَادِعُ

أي: أذم وجود قرود، ومن كسر لامهما، فيكون بدلًا منهما كالقول الأول إلاَّ إذا فسر الملكان بداود وسليمان عليهما الصلاة والسلام كما ذكره بعض المفسرين، فلا يكونان بدلًا منهما، بل يكونان متعلّقين بالشياطين على الوجيهن السَّابقين في رفع الشياطين ونصبه، أو يكونان بدلًا من {الناس} كما تقدم.
وقرأ الحسن {هَارُوتُ وماروتُ} برفعهما، وهما خبر لمبتدأ محذوف أي: هما هاروت وماروت، ويجوز أن يكون بدلًا من {الشياطين} الأولى وهو قوله: {ما تَتْلُو الشياطين}، أو الثاني على قراءة من رفعه.
ويُجْمَعَان على هَوَاريت ومَوَاريت، وهَوَارتة ومَوَارتة، وليس من زعم اشتقاقهما من الهَرْتِ والمَرْتِ وهو الكسر بمصيب لعدم انصرافهما، ولو كانا مشتقّين كما ذكر لانصرفا.